vendredi 3 août 2007

المبادرة الوطنية للتنمية البشرية

نحو قراءة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية
I.N.D.H
    1. إعداد الأستاذ : امحمد عليلوش( iyider النقوب )
      _________________________________________



      عناصر المــــوضــــوع :
      1) تقديم.
      2) مفهوم التنمية.
      3) مفهوم الحكامة ودورها في التنمية المحلية .
      4) منطلقات ومرتكزات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية .
      5) البرامج الأولية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية .
      6) مصادر التمويل.
      7) خاتمة.

      1) تقديم:

      لقد أعلن جلالة الملك محمد السادس في خطابه التاريخي ليوم 18 مايو 2005 عن مشروع مجتمعي مهم جدا أطلق عليه اسم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، وذلك في إطار الأوراش المفتوحة التي أعطى انطلاقتها جلالته بعد تولييه العرش سنة 1999 ، سعيا لتحقيق مغرب ديمقراطي يساير كل المستجدات الدولية ، وبناء دولة الحق والقانون ...هذه المبادرة الملكية التي جاءت في وقتها المناسب والتي تحييها كل الفعاليات الوطنية بما فيها السياسية والجمعوية . وهكذا كما أكد جلالته فهي ليست مشروعا مرحليا فقط أو ظرفي قد يتخطاه المغرب ، بل هي ورش مفتوح باستمرار ، حيث جاء في خطابه : " إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ليست مشروعا مرحليا ، ولا برنامجا ظرفيا عابرا ، وإنما هي ورش مفتوح باستمرار ." وأضاف جلالته كذلك قائلا : " إن المبادرة التي نطلقها اليوم ينبغي (...) أن تعتمد سياسة خلاقة ، تجمع بين الطموح والواقعية والفعالية ، مجسدة في برامج عملية مضبوطة ومندمجة ." [1]
      فماذا يقصد بالتنمية بشكل عام ؟ و التنمية البشرية بشكل خاص ؟ ولماذا التنمية البشرية كأولوية ؟ ثم ماهي جوانب ومبادئ وعناصر وقيم هذه المبادرة الملكية ؟ وما هي برامجها الأولية ومنهجيتها ؟ ثم ما هي آليات التمويل المعتمدة في هذه المبادرة الوطنية ؟ وماذا عن الموارد البشرية التي سيوكل إليها تنفيذ وتتبع هذه المبادرة الملكية ؟ وماذا عن الحكمة(بفتح الحاء والكاف) المحلية ومبادئها ومقوماتها ؟ وما علاقتها بالتنمية المحلية ؟
      2) مفهوم التنمية :
      لقد نشأ مفهوم التنمية وترعرع في الغرب سواء عن طريق سوسيولوجيا الغرب أو عن طريق الهيأت الدولية ، وهذه النشأة بطبيعة الحال لا تخلو من ايديولوجية ، حيث جميع المصطلحات المستعملة ونوعية ميادين التنمية لها منحى خاص من وراءها أغراض ايديولوجية تحركها .ولقد ظهر مفهوم التنمية لأول مرة في بريطانيا مثلا سنة 1944 ، وذلك في تقرير اللجنة الاستشارية للتعليم ، و صدر أول تعريف منظم لتنمية المجتمع خلال مؤتمر " كامبردج" الصيفي حول الإدارة الإفريقية سنة 1948 . وقد عرفت التنمية بأنها " حركة تستهدف تحقيق حياة أحسن للمجتمع المحلي نفسه من خلال المشاركة الايجابية للأهالي ، وإذا أمكن من خلال مبادرة المجتمع المحلي " . وفي سنة 1954 تبنى مؤتمر " استردج" للتنمية الاجتماعية الصيغة العامة للتعريف السابق أي أن التنمية الاجتماعية هي " حركة مصححة لتحقيق حياة أحسن للمجتمع ككل عن طريق المشاركة الفعالة ..." .
      وهكذا فقد ظهرت فكرة تنمية المجتمع لأول مرة في الوكالات والمجالس المتخصصة داخل الأمم المتحدة في دراسة منظمة سنة 1950. واتخذ المجلس الاقتصادي والاجتماعي في شهر مايو 1955 قرارا باعتبار منهج المجتمع وسيلة للتقدم الاجتماعي في المجتمعات النامية والمتخلفة. وصدر أول كتاب يعرف هذا المفهوم في أول دراسة منتظمة سنة 1955 وهو تعريف يذهب الى أن عملية التنمية للمجتمع هي العملية المصممة لخلق ظروف التقدم الاجتماعي والاقتصادي معا في المجتمع عن طريق مشاركة الأهالي ايجابيا في هذه العملية.
      ليأتي بعد ذلك تعريف ثاني سنة 1956 حيث أن تنمية المجتمع هي تلك العملية التي يمكن بها توحيد جهود المواطنين والحكومة لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية ولمساعدتها على الاندماج في حياة الأمة والمساهمة في تقدمها بأقصى قدر .
      وما يمكن استنتاجه من التعريفين هو انه يشيران إلى افتراض أن المجتمعات المحلية تحتوي على طاقات بشرية تحتاج إلى التنظيم والتوجيه من جهة ثم أن هناك إمكانيات مادية تحتاج إلى التنظيم والاستثمار من جهة أخرى .كما يركز التعريفان على ضرورة المساعدة الذاتية وكذلك على عدم قدرة المجتمعات المحلية تحمل ثقل كافة عملية التنمية .
      وإذا ما عدنا إلى تعريف التنمية ، فانه كما قلنا يوجد اختلاف بين العلماء حسب نظرتهم الى هذا المفهوم . فنجد مثلا روستوف Rostow يعرف التنمية بأنها عملية تخلي المجتمعات المتخلفة على السمات التقليدية السائدة فيها والتبني للخصائص السائدة في المجتمعات المتقدمة . أما عبد المنعم شوقي فيقول : " إن عملية التنمية هي ذلك الشكل المعقد من الإجراءات والعمليات المتتالية ... التي يقوم بها الإنسان في مجتمع ما من خلال عمل تغيير مقصود وموجه يهدف إلى إشباع حاجة." وبالنسبة لكارل ماركس : " فالتنمية هي تلك العملية الثورية التي تتضمن تغييرات جديدة جذرية وشاملة في البنيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى القانونية زيادة الى نمط الحياة وأساليب العيش والقيم الثقافية ." وهنا يؤكد كارل ماركس كذلك أن البلدان الأكثر تقدما من الناحية الصناعية تمثل المستقبل الخاص بالنسبة للبلدان الأقل تقدما . ويقول سميلسرSmelser : إن التحديث والتنمية هي عملية تتضمن عدة تحولات في متغيرات الحياة مثل التكنولوجيا وذلك عن طريق تقدم هذا الميدان وتعقيده أكثر ...والسكان عن طريق التمدن والتحضر والزراعة بالمزيد من المنتوجات التجارية وعلى صعيد الأسرة ثم الدين بمزيد من العلمانية ." أما بالدوينBaldwin فان عملية التنمية لديه تحتاج إلى توفير معدلات عالية من النمو في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .
      وبشكل عام فان مفهوم التنمية مفهوم شاسع ويختلف الباحثين في تعريفه ، ولكن ما لا يمكن نفيه أن هذه العملية هي عملية معقدة متشعبة الجوانب ، تضم الجانب الاقتصادي ، الاجتماعي ، السياسي والثقافي . والمفهوم العام لهذه العملية هو أنها مجموعة من العمليات المخططة والموجهة لتحقيق التغيير الجدري في المجتمع ، وذلك لتحسين الظروف الاجتماعية ، الاقتصادية ، السياسية والثقافية لأفراد المجتمع.
      3) مفهوم الحكامة ودورها في التنمية المحلية :
      هناك اختلاف بين الباحثين حول هذا المفهوم ، كماهو الشأن لمفهوم التنمية ، فتعددت التعاريف نظرا لاختلاف نظرة كل باحث وكذلك انطلاقا من مرتكزاته وتصوراته المعرفية والفكرية . فبالنسبة لكويمان وليكا (1996) فالحكمة تقليص للمركزية وهي صيغة للعمل تركز على أشكال التعبئة والشراكة وبناء شبكات للعمل الجماعي بين مختلف الفاعلين .[2] أما بالنسبة لباغناسكو ولوغاليس (1997/1998) فالحكمة عملية تنسيق بين الفاعلين والجماعات والمؤسسات قصد تحقيق أغراض محددة تكون موضوع حوار وقرار جماعي . أما سطوكير (1998) فيؤكد بأن الحكمة تختلف عن الحكومة لا من حيث الأهداف والغايات وإنما تختلف عنها أساسا من حيث طرق العمل ، و ليست تجديدا لوسائل العمل وإنما هي تفعيل للوسائل المتاحة بهدف تحسين الخدمات .
      ويمكن استنتاج إذن أن مفهوم الحكمة (بفتح الحاء والكاف) مرتبط أساسا بمفهوم التنمية المحلية و بتدبير كل الطاقات المتوفرة عند المجتمع المحلي وبالتالي فهي منظور جديد لتدبير العلاقات بين مختلف الفاعلين ضمن وحدة ترابية معينة يتأسس على توظيف الرأسمال الاجتماعي والرأسمال البشري من أجل تنمية داخلية مستدامة يساهم الجميع في رسم أهدافها والتقرير في سبل انجازها .انه منظور يستدعي مقاربة تشاركية تدمج كل الطاقات وتستثمر كل الإمكانات وتعتمد الحوار والعمل الجماعي دعامات أساسية لها .[3]
      وعلى كل حكمة أن ترتكز على مبدأ الحوار والمشاركة والشراكة ثم على مقوم التواصل والعمل الجماعي والمشروع المشترك ، وذلك من أجل أن تساهم بشكل فعال في التنمية ولكي لا تفقد مفهومها وتصبح بالتالي اقرب إلى الحكومة .
      أما التنمية المحلية فهي عملية جماعية تهدف إلى تجديد وتنمية مجتمع محلي في إطار وحدة ترابية محدودة على نحو مستديم ، وتتم هذه العملية في مجال ترابي ملائم من خلال توحيد الفاعلين في مجالات الاقتصاد والاجتماع والبيئة والثقافة وتنظيمهم في شبكات .
      4) منطلقات ومرتكزات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية :
      تنبثق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من منظور شامل لبناء مغرب حديث ديمقراطي يتمحور حول :
      a. ثلاثة جوانب أساسية :
      ** المسلسل السياسي لتعزيز دولة حديثة : الديمقراطية ودولة الحق والقانون .
      ** الإصلاحات والمشاريع الهيكلية المحدثة للنمو .
      ** التنمية البشرية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مبادئ التدبير الجيد .
      ب) أربعة عناصر :
      ** قيم في صميم العملية :
      - تتمحور هذه العملية حول الإنسان ، في خدمة كرامة الجماعة والفرد.
      - عملية مبنية على الإنصات والثقة في المستقبل .
      - عملية ترتكز على إشراك المستفيدين والفاعلين في التنمية المحلية بتناغم وتشارك .
      - عملية هادفة ، فعالة ، تعاقدية ، شفافة ، مقيمة ، مدعوة لتصبح مرجعا للحاكمة الجيدة .
      - مبادرة ذات نفس طويل تتسم بالاستمرارية وبالأمد البعيد .
      ** منهجية تتوخى القرب والفعالية :
      ان المبادرة تستدعي نهج مقاربة ترابية مرتكزة على :
      - التخطيط : حيث أن برمجة عمليات المبادرة تتم حسب مسلسل للتخطيط الاستراتيجي يرتكز على تشخيص مدقق وتعريف واضح للأهداف .كما أن المجالس المنتخبة مدعوة للقيام بإعادة قراءة مخططاتها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية مع إعطاء الأولوية للتنمية البشرية .
      - التناغم : مع ضرورة تحقيق انسجام بين البرامج القطاعية ، خاصة في المناطق الأقل حظوة . والانسجام بين البرامج القطاعية وعمليات الجماعات المحلية .
      ** عمليات أكثر ارتباطا بالإنسان : لقد وضعت هذه المبادرة من أجل تدعيم عمل الدولة والجماعات المحلية ، فهي لا تحل محل البرامج القطاعية أو مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجماعات المحلية ، كما تمنح قدرات مالية إضافية من أجل دعم أربعة أنواع من العمليات التي تهم التنمية البشرية :
      - أنشطة مدرة للدخل .
      - دعم الولوج الى التجهيزات والخدمات الاجتماعية الأساسية .
      - دعم عمليات التنشيط الاجتماعي والثقافي والرياضي ...
      - تعزيز الحكامة والقدرات المحلية .
      ** كيفيات خلاقة للعمل الترابي : ان كيفيات تنفيذ عمل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تستشرف إدارة الغد :
      - دور محوري للوالي والعمل ومجموع الإدارة الترابية .
      - تدبير موجه نحو النتائج .
      - آليات مرنة وسلسة .
      - تدبير تعاقدي .
      - مراقبة بعدية .
      5) البرامج الأولية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية :
      لقد ركزت المبادرة الوطنية INDH ، كمرحلة أولى على أربعة برامج أولية على الشكل التالي :
      أ‌- برنامج محاربة الفقر في المجال القروي :
      يستهدف هذا البرنامج في المرحلة الأولى كما جاء في الخطاب الملكي ، 360 جماعة قروية من ضمن الجماعات الأكثر فقرا في المغرب حيث أن متوسط الساكنة للجماعة القروية المستهدفة يصل إلى حوالي 10.300 نسمة . ويهدف إلى تحسين مؤشر التنمية البشرية ، خاصة تقليص نسبة الفقر داخل هذه الجماعات . مع ضرورة خلق الانسجام بين مختلف البرامج القطاعية وبرامج التنمية القروية المندمجة مع تقوية الحكمة والقدرات المحلية ودعم كل الأنشطة المدرة للدخل والخدمات الاجتماعية الأساسية .
      ب – برنامج محاربة الإقصاء الاجتماعي في المجال الحضري :
      يستهدف هذا البرنامج الأولي 250 حي حضري ضمن الأحياء الأقل حظوة بالمدن الكبرى حيث أن متوسط عدد ساكنة كل حي حوالي 6000 نسمة وحوالي 1000 أسرة . ويسعى هذا البرنامج إلى تحقيق الإدماج والتلاحم الاجتماعي وتحسين ظروف وجودة عيش السكان .
      ت – برنامج محاربة التهميش :
      يستهدف هذا البرنامج 50 ألف شخص يعيشون في الهشاشة القصوى ، بالإضافة إلى الأشخاص المتكفل بهم على صعيد البنيات العمومية أو الجمعوية المنتمين إلى الفئات ذات الأسبقية التالية :
      1 – شباب دون مأوى وأطفال الشوارع . 2 – الأطفال المتخلى عنهم . 3 – النساء في وضعية هشاشة قصوى . 4 – المتسولون والمشردون . 5 – سجناء سابقون بدون مورد . 6 – المختلون عقليا بدون مأوى . 7 – المعاقون بدون مورد . 8 – الأشخاص المسنون المحتاجون .
      و يسعى البرنامج إلى تحقيق الدعم لفائدة السكان في وضعية صعبة ، مع التكفل بهم في مراكز متخصصة مع السعي الى الإدماج الاجتماعي والاقتصادي .
      د – البرنامج الأفقي:
      يسعى هذا البرنامج الى دعم العمليات ذات الوقع الكبير على التنمية البشرية على صعيد كافة الجماعات القروية والحضرية غير المستهدفة ، وذلك من خلال اقتراح مشاريع على مستوى العمالات والأقاليم .
      ولتعزيز الهندسة الاجتماعية فان البرنامج يهدف إلى إحداث مرصد للتنمية البشرية يعتمد على دوي الخبرة وعلى نظام متطور للمعلومات والاتصال ، ولمواكبة جميع البرامج على المستويين الوطني والمحلي يتم انتقاء شبكة المكونين والمرافقين الجهويين لتقديم ، عند الاقتضاء وبطلب من العمال ، الخبرة والمساعدة التقنية لفائدة اللجن المحلية في الجماعات والأحياء ، ثم لمختلف الفئات من العاملين الاجتماعيين وأطر ومستخدمي الجماعات المحلية والجمعيات المنخرطة في التنمية البشرية .
      6) مصادر التمويل :
      ابتداء من سنة 2005 يتم إنشاء حساب مرصد لأمور خصوصية ، ترصد له موارد مهمة محددة في 10مليار درهم ، منها 6 مليار من الميزانية العامة للدولة و 2 مليار من الجماعات المحلية و 2 مليار كذلك من التعاون الدولي ، على مدى خمس سنوات للفترة الممتدة ما بين 2006 و 2010 لفائدة البرامج الأولية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية .
      وقد تم تحديد 2.5 مليار درهم لكل برنامج من البرامج الأولية الأربعة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية .
      وبالنسبة للانطلاقة ففي الستة الأشهر الثانية من سنة 2005 ، حدد الغلاف المالي للانطلاقة قي 250 مليون درهم مكون من 50مليون كمساهمة للميزانية العامة للدولة و 100 مليون درهم لكل من الجماعات المحلية وصندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية . وقد تم برمجة هذه الميزانية على المدى القصير حيث تستهدف كل العمليات ذات الوقع الكبير من محاربة التخلي عن الدراسة ودعم الصحة وإطار العيش حيث خصص 160 مليون درهم للبرامج الحضرية والقروية ، موزعة على أساس ترابي ، أي حوالي 1.5 مليون درهم للعمالة أو الإقليم ، 2 إلى 5 مليون درهم لمقر الجهات . ثم 80 مليون درهم لبرنامج محاربة التهميش موزعة حسب المشاريع المقدمة من طرف الجهات لتأهيل المراكز الاجتماعية ، مع إعطاء الأولوية للمشاريع التي تهم أطفال الشوارع والمتسولين والمشردين .و 10 مليون درهم للبرنامج الأفقي .
      7) خاتمة :
      إذا كان الإنسان هو من ابتكر مفهوم التنمية بمختلف جوانبها، ألا يحق له أن يكون أول من يستفيد من هذه التنمية ؟ وبالتالي فالتنمية التي تستهدف البشر هي مفتاح كل تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية لأن الإنسان هو محور كل العمليات التي تتم محليا أو جهويا أو وطنيا أو دوليا . فالتنمية البشرية هي تلك العملية المركزية والشاملة التي تتمحور حولها مختلف أوجه التنمية بحيث كلما اهتمت الدولة بالعنصر البشري ووفرت له كل الظروف الأساسية لحياة كريمة ، تكون قد استثمرت مجهوداتها بشكل يضمن لها الاستمرارية والتطور نحو غد أفضل . و تكون بذلك قد تمكنت من إعطاء لمواطنيها الأهمية الكبرى ضمانا لحبهم وتشبثهم بكل ما يتعلق بوطنهم وبدولتهم وبهويتهم .فعلاقة الدولة بالمواطن مثل علاقة الأم بأبنائها أو علاقة الأسرة بأبنائها ، فكلما اهتمت الأم أو الأسرة بأبنائها ووفرت لهم جميع الظروف والإمكانات الضرورية لحياتهم ، وإلا أصبحت في عين أبنائها كل شيء وقد يضحون بأنفسهم دفاعا عن أسرتهم . ولهذا فالتنمية البشرية هي التي يجب أن تكون أول ما يجب أن ترتكز عليه كل المخططات والبرامج الحكومية بتعاون مع المجتمع المحلي . لان الرجل الامريكي مثلا لم يحس بأمريكيته حتى ضمنت له دولته كل الحقوق وكل الاعتبارات كمواطن يحس بانتمائه ويعتز بدولته ، فوفرت له كل ما يحتاج من شغل وسكن وصحة وتعليم وتكوين وترفيه وحماية وضمنت لأبنائه المستقبل ، فاستطاعت بذلك ضمان حب مواطنيها وبالتالي تستفيد من إمكانياتهم الفردية والجماعية ومن قدراتهم الفكرية والبدنية ، فتوحدت جهودهم خدمة لبلدهم ويسعون دائما للرقي به إلى ما هو أحسن. فلا يفكرون في الهجرة ولا في الانتحار ولا في تفجير أنفسهم. فكفانا تغريبا في بلدنا ولنبارك جميعا المبادرة الملكية التي أعلن عنها جلالة الملك محمد السادس وعلينا الانخراط جميعا فيها سعيا لبناء غد أفضل للمغاربة جميعا ولنغرس في أنفسهم الثقة في بلدهم أولا وقبل كل شيء ثم لنضمن لهم مستقبلا زاهرا ثانيا . وعلى الجهات المسؤولة أن تلتزم بالمساطر الخاصة بالمبادرة الملكية من رصد الاعتمادات وتنفيذ النفقات والمراقبة اللازمة وإشراك الجميع وخاصة المجتمع المحلي ضمانا للحكامة الجيدة .
      ____________________________ النقوب في 11 أكتوبر 2005 الموافق ل 6 رمضان 1426ه.
      الهوامش :
      - مقتطف من الخطاب الملكي بتاريخ 18 مايو 2005.
      - كتيب عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كأرضية لإعداد برنامج العمل . غشت 2005 ( وزع في أيام تكوينية لموظفي الجماعات المحلية )
      - مقال تحت عنوان " الحكمة المحلية منظور جديد للتنمية القروية " من إعداد الأستاذ عبد السلام رجواني .
      - صبري زاير السعدي :" الاقتصاد السياسي للتنمية والاندماج في السوق الرأسمالية العالمية " – المستقبل العربي العدد 249-11-1999 .
      - تنمية العالم القروي . الدورة الثامنة لمجلس الشباب والمستقبل الرباط 18-19 يناير 2000 .
      - Bulletin officiel n° 5340 -28 joumada 2 1426 (4/8/2005)
      - عادل المختار الهواري " قضايا التغير والتنمية الاجتماعية" دار المعرفة الجامعية 1998.
      - د .اسامة عبد الرحمن " البيروقراطية النفطية ومعظلة التنمية " سلسلة عالم المعرفة العدد 57.

      [1] مقتطف من خطاب جلالة الملك محمد السادس بتاريخ 18 مايو 2005 .
      [2] مقال تحت عنوان " الحكمة المحلية منظور جديد للتنمية القروية " من إعداد الأستاذ عبد السلام رجواني مستشار لدى مؤسسة الشرق الأدنى.
      [3] الأستاذ عبد السلام رجواني . المرجع السابق .